mardi 10 mars 2009

Mille et une nuits, Qamar et Budur: 204e à 212 e nuits






الليلة الرابعة بعد المئتين


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك شهرمان دعى الأمراء والوزراء والحجاب وأرباب الدولة والعساكر وأصحاب الصولة ، ثم أرسل خلف ولده قمر الزمان فلما حضر قبل الأرض بين يديه ثلاث مرات ووقف مكتفاً يديه وراء ظهره قدام أبيه فقال له أبوه :
يا ولدي إنني ما أحضرتك هذه المرة قدام هذا المجلس وجميع العساكر حاضرون بين أيدينا إلا لأجل أن أمرتك بأمر فلا تخالفني فيه وذلك أن تتزوج لأنني أشتهي أن أزوجك بنت ملك الملوك وأفرح بك قبل موتي .
فلما سمع قمر الزمان من أبيه هذا الكلام أطرق برأسه إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه إلى أبيه ولحقه في تلك الساعة جنون الصبا وجهل الشبيبة فقال له :
أما أنا فلا أتزوج أبداً ولو سقيت كأس الردى وأما أنت فرجل كبير السن صغير العقل ، إنك سألتني قبل هذا اليوم مرتين غير هذه المرة في شأن الزواج وأنا لا أجيبك إلى ذلك .
ثم إن قمر الزمان فك كتاف يديه وشمر عن ذراعيه قدام أبيه وهو في غيظه فخجل أبوه واستحى حيث حصل ذلك قدام أرباب دولته والعساكر الحاضرين في الموسم .
ثم إن الملك شهرمان لحقته شهامة الملك فصرخ على ولده فأرعبه وصرخ على المماليك وأمرهم بإمساكه فأمسكوه وأمرهم أن يكتفوه فكتفوه وقدموه بين يدي الملك وهو مطرق في رأسه من الخوف والوجل وتكلل وجهه وجبينه بالعرق واشتد به الحياء والخجل ، فعند ذلك شتمه أبوه وسبه وقال له :
ويلك يا ولد الزنا وتربية الخنا كيف يكون هذا جوابك لي بين عساكري وجيوشي ? ولكن إلى الآن ما أدبك أحد .

Traduction partielle:
أرسل خلف ولده: il envoya chercher son filsقبل الأرض بين يديه ثلاث مرات: il baisa le sol trois fois devant luiووقف مكتفاً يديه وراء ظهره: il se tint debout, les bras croisés derrière le dosأحضرتك هذه المرة قدام هذا المجلس: je t'ai convoqué cette fois devant ce conseilلأجل أن أمرتك بأمر فلا تخالفني فيه: pour te donner un ordre que tu ne refuseras pas d'exécuterولحقه في تلك الساعة جنون الصبا وجهل الشبيبة: il fut pris à ce moment d'une sorte de folie propre à la jeunesseوأما أنت فرجل كبير السن صغير العقل: quant à toi, tu es un vieil homme à l'esprit étroitفك كتاف يديه وشمر عن ذراعيه: il décroisa ses mains et retroussa ses manchesفصرخ على ولده فأرعبه: il cria à la face de son fils si bien qu'il l'effraya
وأمرهم بإمساكه: il leur ordonna de se saisir de luiوأمرهم أن يكتفوه: et il leur ordonna de le garotterالخوف والوجل: la peur et la crainteوتكلل وجهه وجبينه بالعرق: La sueur perla sur son visage et son frontيا ولد الزنا وتربية الخنا: fils de rien (d'adultère) à l'éducation de vaurien (indécence)
الليلة الخامسة بعد المئتين
قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك شهرمان قال لولده قمر الزمان :

أما تعلم أن هذا الأمر الذي صدر منك لو صدر عن عامي من العوام لكان ذلك قبيحاً منه .
ثم إن الملك أمر المماليك أن يحلوا أكتافه ويحبسوه في برج من أبراج القلعة ، فعند ذلك دخل الفراشون القاعة التي فيها البرج فكنسوها ومسحوا بلاطها ونصبوا فيها سرير قمر الزمان وفرشوا له على السرير طراحة ونطعاً ووضعوا له مخدة وفانوساً كبيراً وشمعة لأن ذلك المكان كان مظلماً في النهار ، ثم إن المماليك أدخلوا قمر الزمان في تلك القاعة وجعلوا على باب القاعة خادماً ، فعند ذلك طلع قمر الزمان فوق ذلك السرير وهو منكسر الخاطر حزين الفؤاد وقد عاتب نفسه وندم على ما جرى منه في حق أبيه حيث لا ينفعه الندم وقال :
خيب الله الزواج والبنات والنساء الخائنات ، فيا ليتني سمعت من والدي وتزوجت فلو فعلت ذلك كان أحسن لي من هذا السجن .
هذا ما كان من أمر قمر الزمان .

Vocabulaire:
هذا الأمر الذي صدر منك: ce comportement venant de toi
لو صدر عن عامي من العوام :s'il provenait du commun de mes sujetsلكان ذلك قبيحاً منه: aurait été considéré comme un acte abominable

يحلوا أكتافه: lui délier ses liens
يحبسوه في برج من أبراج القلعة: de l'enfermer dans l'une des tours de la forteresse الفراشون: les valets chargés d'installer les lits ils lui dressèrent un lit avec un matelas et un tapis: وفرشوا له على السرير طراحة ونطعاً
فانوساً: une lanterne
المماليك: les serviteurs (esclaves)
منكسر الخاطر حزين الفؤاد: abattu et triste عاتب نفسه وندم على ما جرى منه: il s'était fait de grands reproches et avait regretté ce qu'il avait faitخيب الله الزواج والبنات والنساء الخائنات : que Dieu maudisse le mariage, les filles et les femmes traitresses

وأما ما كان من أمر أبيه فإنه أقام على كرسي مملكته بقية اليوم إلى وقت الغروب ، ثم خلا بالوزير وقال له :
اعلم أيها الوزير أنك كنت السبب في الذي جرى بيني وبين ولدي كله حيث أشرت علي بما أشرت فما الذي تشير به علي الآن ?
فقال له الوزير :
أيها الملك دع ولدك في السجن مدة خمسة عشر يوماً ثم احضره بين يديك وأمره بالزواج فإنه لا يخالفك أبداً .


الليلة السادسة بعد المئتين

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك شهرمان قبل رأي الوزير في ذلك اليوم ونام تلك الليلة وهو مشتغل القلب على ولده لأنه كان يحبه محبة عظيمة حيث لم يكن له سواه ، وكان الملك شهرمان كل ليلة لا يأتيه نوم حتى يجعل ذراعه تحت رقبة قمر الزمان وينام ، فبات الملك الليلة وهو متشوش الخاطر من أجله وصار يتقلب من جنب إلى جنب كأنه نائم على جمر اللظى ولحقه الوسواس ولم يأخذه نوم في تلك الليلة بطولها وذرغت عيناه بالدموع وأنشد قول الشاعر :
لقد طال ليلي والوشاة هجـوع ........ وناهيك قلباً بالفـراق مـروع
أقول وليلي زاد بالهم طـولـه ........ أما لك يا ضوء الصباح رجوع
وقال آخر :

لما رأيت النجم سـاه طـرفـه ........ والقلب قد ألقى عليه سباتـا
وبنات نعش في الحداد سوافرا ........ أيقنت أن صباحه قد مـاتـا
هذا ما كان من أمر الملك شهرمان .
وأما ما كان من أمر قمر الزمان فإنه لما قدم عليه الليل قدم له الخادم الفانوس وأوقدوا له شمعة وجعلها في شمعدان وقدم له شيئاً من المأكل فأكل قليلاً وصار يعاتب نفسه حيث أساء الأدب في حق أبيه الملك شهرمان وقال في نفسه :
ألم تعلم أن ابن آدم رهين لسانه وأن لسان الآدمي هو الذي يوقعه في المهالك ?
ولم يزل يعاتب نفسه ويلومها حتى غلبت عليه الدموع واحترق قلبه المصدوع وندم على ما خرج من لسانه في حق الملك غاية الندم وأنشد هذين البيتين :
يموت الفتى من عثرة في لسانه ........ وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه تقضي بحتـفـه ........ وعثرته بالرجل تبرأ على مـهـل
ثم إن قمر الزمان لما فرغ من الأكل والشرب طلب أن يغسل يديه فغسل من الطعام وتوضأ وصلى المغرب والعشاء وجلس .

الليلة السابعة بعد المئتين

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن قمر الزمان ابن الملك شهرمان جلس على السرير يقرأ القرآن فقرأ سورة البقرة وآل عمران ويس والرحمن وتبارك والملك والمعوذتين وختم الدعاء واستعان بالله ونام على السرير فوق طراحة من الأطلس المعدن لها وجهان وهي محشوة بريش النعام ، وحين أراد النوم تجرد من ثيابه وخلع سرواله ونام في قميص شمع رفيع وكان على رأسه مقنع مروزي أزرق فصار قمر الزمان في تلك الليلة كأنه البدر في ليلة أربعة عشر ، ثم تغطى بملاءة من حرير ونام والفانوس موقد تحت رجليه والشمعة موقدة تحت رأسه ولم يزل نائماً إلى ثلث الليل ولم يعلم ما خبئ له في الغيب وما قدر عليه علام الغيوب ، واتفق أن القاعة والبرج كانا عتيقين مهجورين مدة سنين كثيرة ، وكان في تلك القاعة بئر روماني معمور بجنية ساكنة فيه وهي من ذرية إبليس اللعين واسم تلك الجنية ميمونة ابنة الدمرياط احد ملوك الجان المشهورين .

الليلة الثامنة بعد المئتين


قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن اسم تلك الجنية ميمونة ابنة الدمرياط أحد ملوك الجان المشهورين فلما استمر قمر الزمان نائماً إلى ثلث الليل طلعت له تلك العفريتة من البئر الروماني وقصدت السماء لاستراق السمع فلما صارت في أعلى البئر رأت نوراً مضيئاً في البرج على خلاف العادة وكانت العفريتة مقيمة في ذلك المكان مدة مديدة من السنين فقالت في نفسها :
أنا ما عهدت هنا شيئاً من ذلك .
وتعجبت من هذا الأمر غاية العجب وخطر ببالها أنه لا بد لذلك من سبب ثم قصدت ناحية ذلك النور فوجدته خارجاً من القاعة فدخلتها ووجدت الخادم نائماً على بابها ، ولما دخلت القاعة وجدت سريراً منصوباً وعليه هيئة إنسان نائم وشمعة مضيئة عند رأسه وفانوس مضيء عند رجليه فتعجبت العفريتة ميمونة من ذلك النور وتقدمت إليه قليلاً قليلاً وأرخت أجنحتها ووقفت على السرير وكشفت الملاءة عن وجهه ونظرت إليه واستمرت باهتة في حسنه وجماله ساعة رومانية وقد وجدت ضوء وجهه غالباً على نور الشمعة وصار وجهه يتلألأ نوراً وقد غارت عيناه واسودت مقلتاه واحمر خداه وفتر جفناه وتقوس حاجباه وفاح مسكه العاطر كما قال فيه الشاعر :
قبلته فاسودت المقـل الـتـي ........ هي فتنتني واحمرت الوجنات
يا قلب إن زعم العـواذل أنـه ........ في الحسن يوجد مثله قل هاتوا
فلما رأته العفريتة ميمونة بنت الدمرياط سبحت الله وقالت :
تبارك الله أحسن الخالقين .
وكانت تلك العفريتة من الجن المؤمنين فاستمرت ساعة وهي تنظر إلى وجه قمر الزمان وتوحد الله وتغبطه على حسنه وجماله وقالت في نفسها :
والله إني لا أضره ولا أترك أحداً يؤذيه ومن كل سوء سوف افديه فإن هذا الوجه المليح لا يستحق إلا النظر إليه والتسبيح ولكن كيف هان على أهله حتى نسوه في هذا المكان الخرب فلو طلع له أحد من مردتنا في هذه الساعة لأعطبه .
ثم إن تلك العفريتة مالت عليه وقبلته بين عينيه وبعد ذلك أرخت الملاءة على وجهه وغطته بها وفتحت أجنحتها وطارت ناحية السماء وطلعت من دور تلك القاعة وصعدت ولم تزل صاعدة في الجو إلى أن قربت من سماء الدنيا وإذا بها سمعت خفق أجنحة طائرة في الهواء فقصدت ناحية تلك الجنحة ، فلما قربت من صاحبها وجدته عفريتاً يقال له دهنش فانقضت عليه انقضاض الباشق فلما أحس بها دهنش وعرف أنها ميمونة بنت ملك الجن خاف منها وارتعدت فرائصه واستجار بها وقال لها :
أقسم عليك بالاسم الأعظم والطلسم الأكرم المنقوش على خاتم سليمان أن ترفقي بي ولا تؤذيني .
فلما سمعت ميمونة من دهنش هذا الكلام حن قلبها عليه وقالت له :
إنك أقسمت علي بقسم عظيم ولكن لا أعتقد حتى تخبرني من أين مجيئك في هذه الساعة ?
فقال لها دهنش :
أيتها السيدة اعلمي أن مجيئي من آخر بلاد الصين ومن داخل الجزائر وأخبرك بأعجوبة رأيتها في هذه الليلة فإن وجدت كلامي .


الليلة التاسعة بعد المئتين

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الجن قال للجنية :
فإن وجدت كلامي صحيحاً فاتركيني أروح إلى حال سبيلي بخطك في هذه الساعة أني عشيقك في هذه الساعة حتى لا يعارضني أحد من رهط الجن الطيارة العلوية والسفلية والغواصة .
قالت له ميمونة :
فما الذي رأيته في هذه الليلة يا دهنش فاخبرني ولا تكذب علي وتريد بكذبك أن تنفلت من يدي وأنا أقسم لك بحق النقش المكتوب على فص خاتم سليمان بن داود عليه السلام إن لم يكن كلامك صحيحاً أنتفت ريشك بيدي ومزقت جلدك وكسرت عظمك .
فقال لها العفريت دهنش بن شمهورش الطيار :
إن لم يكن كلامي صحيحاً فافعلي بي ما شئت يا سيدتي .


الليلة العاشرة بعد المئتين

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن دهنشاً قال :
خرجت في هذه الليلة من الجزائر الداخلة في بلاد الصين وهي بلاد الغيور صاحب الجزائر والبحور السبعة قصور فرأيت لذلك الملك بنتاً لم يخلق الله في زمانها أحسن منها ولا اعرف كيف أصفها لك ويعجز لساني عن وصفها كما ينبغي ولكن أذكر لك شيئاً من صفاتها على سبيل التقريب أما شعرها فكليالي الهجر وأما وجهها فكأيام الوصال وقد أحسن في وصفها من قال :
نشرت ثلاث ذوائب من شعرها ........ في ليلة فأرت ليالي أربـعـا
واستقبلت قمر السماء وجههـا ........ فأرتني القمرين في وقت معا
ولها أنف كحد السيف المصقول ولها وجنتان كرحيق الأرجوان ولها خد كشقائق النعمان وشفتاها كالمرجان والعقيق وريقها أشهى من الرحيق يطفئ مذاقه الحريق ولسانها يحركه عقل وافر وجواب حاضر ولها صدر فتنة لمن يراه فسبحان من خلقه وسواه ومتصل بذلك الصدر وعضدا من مرجان كما قال فيهما الشاعر الولهان :
وزندان لولا أمسكا بـأسـاور ........ لسالا من الأكمام سيل الجداول
ولها نهدان كأنهما من العاج يستمد من إشراقهما القمران ولها بطن مطوية كطي القباطي المصرية وينتهي ذلك إلى خصر مختصر من وهم الخيال فوق ردف ككثيب من الرمال يقعدها إذا قامت ويوقظها إذا نامت كما قال فيه بعض واصفيه :
لها كفل تعـلق في ضعـيف ........ وذاك الردف لي ولها ظلوم
فيوقـفني إذا فـكـرت فـيه ........ ويقعدها إذا همت تـقـوم
يحمل ذلك الكفل فخذان كأنهما من الدر عمودان وأما غير ذلك من الأوصاف فلا يحصيه ناعت ولا وصاف ويحمل ذلك كله قدمان لطيفتان صنعة المهيمن الديان فعجبت منهما وكيف كانا يحملان ما فوقهما .


الليلة الحادية عشر بعد المئتين

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العفريت دهنش ابن شمهورش قال للعفريتة ميمونة :
وأما وراء ذلك فإني تركته لأنه تقصر عنه العبارة ولا تفي به الإشارة وأبو تلك الصبية ملك جبار فارس كرار يخوض بحار الأقطار في الليل والنهار لا يهاب الموت ولا يخاف القوت لأنه جائر ظلوم وقاهر غشوم وهو صاحب جيوش وعساكر وأقاليم وجزائر ومدن ودور واسمه الملك الغيور صاحب الجزائر والبحور والسبعة قصور وكان يحب ابنته هذه التي وصفتها لك حباً شديداً ومن محبته لها جلب أموال سائر الملوك وبنى لها بذلك سبعة قصور كل قصر من جنس مخصوص ، القصر الأول من البلور والقصر الثاني من الرخام والقصر الثالث من الحديد الصيني ، والقصر الرابع من الجزع والفصوص والقصر الخامس من الفضة والقصر السادس من الذهب ، والقصر السابع من الجواهر وملأ السبعة قصور من أنواع الفرش الفاخرة وأواني الذهب والفضة وجمع الآلات من كل ما تحتاج إليه الملوك وأمر ابنته أن تسكن في كل قصر مدة السنة ثم تنقل منه إلى قصر غيره واسمها الملكة بدور .
فلما اشتهر حسنها وشاع في البلاد ذكرها أرسل سائر الملوك إلى أبيها يخطبونها منه فزاودها في أمر الزواج فكرهت ذلك وقالت لأبيها :
يا والدي ليس لي غرض في الزواج أبداً فإني سيدة وملكة أحكم على الناس ولا أريد رجلاً يحكم علي .
وكلما امتنعت من الزواج زادت رغبة الخطاب فيها ، ثم إن جميع ملوك جزائر الصين الجوانية أرسلوا إلى أبيها الهدايا والتحف وكاتبوه في أمر زواجها فكرر عليها أبوها المشاورة في أمر الزواج مراراً عديدة ، فخالفته وغضبت منه وقالت له :
يا أبي إن ذكرت لي الزواج مرة أخرى أخذت السيف ووضعت قائمه في الأرض ودبابه في بطني واتكأت عله حتى يطلع من ظهري وقتلت نفسي .
فلما سمع أبوها منها هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلام واحترق قلبه عليها غاية الإحتراق وخشي أن تقتل نفسها وتحير في أمرها وفي أمر الملوك الذين خطبوها منه ، فقال لها :
إن كان ولا بد من عدم زواجك فامتنعي من الدخول والخروج .
ثم إن أباها أدخلها البيت وحجبها فيه ، واستحفظ عليها عشر عجائز قهرمانات ومنعها من أن تذهب إلى السبع قصور وأظهر لها أنه غضبان عليها وأرسل يكاتب الملوك جميعهم وأعلمهم أنها أصيبت بجنون في عقلها ولها الآن سنة وهي محجوبة .
ثم قال العفريت دهنش للعفريتة :
وأنا يا سيدتي في كل ليلة فأنظرها وأتملى بوجهها وأقبلها بين عينيها ومن محبتي لها لا أضرها ولا أركبها لأن جمالها بارع وكل من رآها يغار عليها من نفسه ، وأقسمت عليك يا سيدتي أن ترجعي معي وتنظري حسنها وجمالها وقدها واعتدالها وبعد هذا إن شئت أن تعاقبيني أو تأسريني فافعلي فإن الأمر أمرك والنهي نهيك .
ثم إن العفريت دهنشاً أطرق رأسه إلى الأرض وخفض أجنحته إلى الأرض فقالت له العفريتة ميمونة بعد أن ضحكت من كلامه وبصقت في وجهه :
أي شيء هذه البنت التي تقول عنها فما هي إلا قوارة بول فكيف لو رأيت معشوقي والله إن حسبت أن معك أمراً عجيباً أو خبراً غريباً ، يا ملعون إني رأيت إنساناً في هذه الليلة لو رأيته ولو في المنام لنفلجت عليه وسالت ريالتك .
فقال لها دهنش :
وما حكاية هذا الغلام ?
فقالت له العفريتة ميمونة :
اعلم يا دهنش أن هذا الغلام قد جرى له مثل ما جرى لمعشوقتك التي ذكرتها وأمره أبوه بالزواج مراراً عديدة فأبى ، فلما خالف أباه غضب عليه وسجنه في البرج الذي أنا ساكنة فيه فطلعت في هذه الليلة فرأيته .
فقال لها دهنش :
يا سيدتي أريني هذا الغلام لأنظر هل هو أحسن من معشوقتي الملكة بدور أم لا ، لأني ما أظن أن يوجد في هذا الزمان مثل معشوقتي .
فقالت له العفريتة ميمونة :
تكذب يا ملعون يا أنحس المردة وأحقر الشياطين فأنا أتحقق أنه لا يوجد لمعشوقي مثيل في هذه الديار .




قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العفريتة ميمونة قالت للعفريت دهنش :
أنا أتحقق أنه لا يوجد لمعشوقي مثيل في هذه الديار فهل أنت مجنون حتى تقيس معشوقتك بمعشوقي ?
قال لها دهنش :
بالله عليك يا سيدتي أن تذهبي معي وتنظري معشوقتي وأرجع معك وانظر معشوقك .
فقالت له ميمونة :
لابد من ذلك يا ملعون لأنك شيطان مكار ولكن لا أجيء معك ولا تجيء معي إلا برهن فإن طلعتك معشوقتك التي أنت تحبها وتتغالى فيها أحسن من معشوقي الذي أحبه وأتغالى فيه فإن ذلك الرهان يكون لك وإن طلع معشوقي أحسن فإن ذلك الرهان يكون لي عليك .
فقال لها العفريت دهنش :
يا سيدتي قبلت منك هذا الشرط ورضيت به ، تعالي معي إلى الجزائر .
فقالت له ميمونة :
إن موضع معشوقي أقرب من موضع معشوقتك وها هو تحتنا فانزل معي لتنظر معشوقي ونروح بعد ذلك إلى معشوقتك .
فقال لها دهنش :
سمعاً وطاعة .
ثم انحدرا إلى أسفل ونزلا في دور القاعة التي في البرج وأوقفت ميمونة دهنشاً بجانب السرير ومدت يدها ورفعت الملاءة عن وجه قمر الزمان ابن الملك شهرمان فسطع وجهه وأشرق ولمع وزرها فنظرته ميمونة والتفتت من وقتها إلى دهنش وقالت له :
أنظر يا ملعون ولا تكن أقبح مجنون فنحن بنات وبه مفتونات .
فعند ذلك التفت إليها دهنش واستمر يتأمل فيه ساعة ، ثم حرك رأسه وقال لميمونة :
والله يا سيدتي إنك لمعذورة ولكن بقي شيء آخر وهو أن حال الأنثى غير حال الذكر وحق الله إن معشوقك هذا أشبه الناس بمعشوقتي في الحسن والجمال والبهجة والكمال وهما الاثنان كأنهما أفرغا في قالب الحسن سواء .
فلما سمعت ميمونة من دهنش هذا الكلام صار الضياء في وجهها ظلاماً ولطمته بجناحها على رأسه لطمة قوية كادت أن تقضي عليه من شدتها وقالت له :
قسماً بنور وجهه وجلاله أن تروح يا ملعون في هذه الساعة وتحمل معشوقتك التي تحبها وتجيء بها إلى هذا المكان حتى نجمع بين الاثنين وننظرهما وهما نائمان بالقرب من بعضهما فيظهر لنا أيهما أحسن ، وإن لم تفعل ما أمرتك به في هذه الساعة يا ملعون لأحرقتك بناري ورميتك بشرار أسراري ومزقتك قطعاً في البراري وجعلتك عبرة للمقيم والساري .
فقال لها دهنش :
يا سيدتي لك علي ذلك وأنا أعرف أن محبوبتي أحسن وأحلى .
ثم إن العفريت دهنشاً طار من وقته وساعته وطارت ميمونة معه من أجل المحافظة عليه فغابا ساعة زمانية ثم أقبل الاثنان وهما حاملان تلك الصبية وعليها قميص بندقي رفيع بطرازين من الذهب وهو مزركش ببدائع التطريزات ومكتوب على رأس كميه هذه الأبيات :
ثلاثة منعـتهـا من زيارتـنا ........ خوف الرقيب وخوف الحاسد الحنق
ضوء الجبين ووسواس الحلي ........ وما حوت معاطفها من عنبر عبـق
هب الجبين بفضل الكم تستره ........ والحلي تنزعه ما حـيلة الـعـرق
ثم إنهما نزلا بتلك الصبية ومدداها بجانب الغلام .

Aucun commentaire: